ارشيف النسخة الكاملة ا: للكاتب أحمدُ
حقيقة المهدي، قطبا مجذوبا قبل ظهوره وإماما جامعا عند ظهوره ..
أحمدُ
11-16-2011, 10:54 AM
لبسم الله الرحمن الرحيم
(سنشرعُ في وضع سلسلة مقالات سابقة عن المهدي المجذوب والظاهر وحقائقه كتبناها في وقتٍ سابق تترابط فيما بينها لأنّها حول هذا المهدي الختم المجذوب القائم بأمر الله الحجّة على خلقه، وقد نحاول أن نُجدّد فيها ما زادنا الله فيه فهماً، وفكّاً لطلاسمه.)
حقيقة المهدي ؟
لماذا كان المهدي مجذوباً قبل بيعته وظهوره ؟
ولماذا كان قطبا وهو مجذوب قبل بيعته وظهوره ؟
وما هي ميزة المهدي على الإطلاق .. تميّز بها على غيره فسمّي المهدي ؟
ضمّن الله سبحانه سرّه الأعظم في المهدي .. ثمّ كتمه إلاّ لخواصه .. فما عرفه النّاس إلاّ باسمه المهدي ..
والمهدي سمّاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم "خليفة الله"
والحقيقة الكبرى أنّ اسم المهدي تجلّتْ فيه حقائق المهدي وحقيقته الجامعة ..
فالمهدي إنّما سمّي المهدي لأنّه كان مهدياً للإسم الأعظم الجامع الله .. (خليفة الله)
وهذه الجملة الأخيرة ليست جملة نقرؤها بسطحيّة ونمضي .. كلاّ
فالإسم الأعظم "الله" هو سرّ الوجود وبه ظهرت الأسماء الغير المتناهية وتفرّعت الموجودات والآثار والكائنات ..
وإذا كنّا نعلمُ أنّ الخلافة في آخرها تؤول الى خلافة إسلام وسلام يعمّ الكون جميعا والأرض .. في زمن المسيح عليه السلام.
وتذهبُ السّبعية والوحشية والعدائية وتعطي الأرض بركتها وتخضّر وتزهر.
فإنّ حقيقة الإسم الأعظم أنّه يرحمُ الأسماء في بعضها .. رحمة كبرى عظمى .. فتُعطي الأسماءُ تكافُؤَها وتضادّها وذهابَ آثارها إلاّ في الوحدة الجامعة والرحمة الكبرى، فلا يطغى اسم على اسم.
لذلك كان مصيرُ الخلافة أن تزول السبعية ويعمّ الأمن والسلام والسماحة والحبّ والرحمة والاسلام في زمن المسيح عليه السلام.
لأنّ خلافة المسيح عليه السلام تعبّر عن الخلافة الكاملة للمهدي عليه السلام.
ولذلك كان مصيرُ أهل النّار أن تتراحم الأسماء فيما بينها ويرحمون ويزول عنهم العذاب بعد حقاب معيّنة.. كما ذكر ذلك أكابر أهل الله من أمثال الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه.
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
فما هو سرّ المهدي وحقيقته ؟
المهدي مجذوب .. عبد محظوظ من ربّه سبحانه أودعَ فيه قائم أحديته، وفيه سرّ تجلّي الإسم الأعظم ( الله ) باتّصاله واتّحاده وليس ذلك لغيره.
فما هو سرّ القائم المودع فيه ؟
سرّه أنّه يقابلُ الأسماء فيه بأضدادها حتى تستوي أخيرا على ميزانها الكامل ووحدتها الجامعة .. ثمّ يصيرُ المهدي القائم الظاهر بكماله وليلة بيعته وصلاحه واستوائه.
أي يسيرُ في الأرض بسيرة الخلافة الباطنية التي كانت في المهدي المجذوب .. حتى نزول المسيح روح الله عليه السلام على الأرض.
وإنّما نزل روح الله على المهدي في ليلة بيعته وكماله ..
فالمهدي سرّه أنّه حيث القيته قلب الدّنيا الى خلافة كاملة تتجلّى في أعظم كمالها وجمالها.
فادّخره الله لآخر الزمان لمحق الباطل واحقاق الحقّ.
لذلك كان المهدي مجذوبا قطبا .. فكلّ سرّه في جذبه وقطبيّته التي تقوم عليها الخلافة العظمى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ) رواه احمد في مسنده
وما قامت الدّنيا في حقيقتها إلاّ للتعريف بحقيقة المهدي وهي الإسم الأعظم "الله" الذي يختمُ الخلافة في الأرض .. فنهاية تجليّات الأسماء أن ترجع لله سبحانه .. أي الى اسمه الله.
وهذه الخلافة التي تنزلُ الأرض المقدّسة ؟
ما هي ؟
إنّها خلافة المهدي المجذوب أوّلاً ..
بمجرّد قرب ظهور المهدي الظاهر صاحب البيعة .. فهذا يعني أنّ الخلافة قد نزلت الأرض المقدّسة ..
والأرض المقدّسة هي ذاتُ المهدي .. ذاتُ المهدي المجذوب ..
أي نزول القطبية في المهدي المجذوب .. فذاك هو معنى نزول الخلافة في الأرض المقدّسة.
وذلك هو معنى الحديث الشريف .. فاعلم أنّه قَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدَيَّ هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ.
بمجرّد استلام المهدي المجذوب للقطبيّة .. فاعلم أنّ الدّنيا قد انتهت، وقوانينها السابقة الى زوال ..
وأنّ الأمر قد بدأ، والمفاعل قد اشتغل ..
مفاعل الإسم الأعظم، الماحق لآثار الأسماء الأخرى .. المزلزل لكلّ الكيانات فيمحقها محقا ويسحقها سحقاً ..
الزلازل والفتن والبلايا والأمور العظام كلّها قد اقتربَ أمرُها .. لأنّ ظهور الاسم الأعظم يسرّعُ آثار هذه الأسماء ويقابلُها بأضدادها فتتصارعُ صراعاً أكبراً أعظما.
فهذا هو دور المهدي المجذوب .. في خلافته الباطنية ..و قطبيّته أن تستوي الأسماء وتتراحم فيما بينها أخيراً.
ويتجّلى الإسم الأعظم.
لذلك كان المهدي المجذوب شأنُه مختلف عن بقيّة الخلق.
ولذلك سمّي المهدي ..
حتى ظهور الدجّال في حقيقته هو داخل في صراع هذه الأسماء وذروة الصراع .. وتصفية لفسطاط الإيمان من فسطاط الكفر والنّفاق.
والله اعلم.
_______________________
_____________________
يمكنكم متابعتنا في مدوّنتنا
مدونة المهدي الختم حضرة الإفشاء والكتم
لا يمكنك مشاهدة الروابط قبل الرد (لا يمكنك مشاهدة الروابط قبل الرد)
أحمدُ
11-16-2011, 11:08 AM
المهدي هو شمس المغرب ..
كما قال الشيخ الأكبر محي الدين ابن عربي قدّس الله سرّه في كتابه "عنقاء مغرب" : " لم تزل الشمس تشرقُ من المشرق بغيرها ومن المغرب بنفسها."
هذه الجملة البسيطة تُلخّص كثيراً من الحقائق : أنّ شموس النبوّة والولاية التي طلعت منذ عهد سيّدنا آدم عليه السلام إلى ما قبل المهدي ، كانت تطلعُ بغيرها .. لذلك كان الكتمُ واجباً، وكانت الأسرارُ من أفشاها من أهل الأسرار والحقائق تعرّض للطّرد .. فإذا أشرقت الشمس من مغربها ونزلت الخلافة الأرض المقدّسة وصارت القطبيّة في المهدي المجذوب عليه السلام.
فقد آن أوانُ الافشاء ورفع الكتم، لأنّ صاحب الكتم والافشاء ومحلّه قد ظهر بنفسه وعينه .. فهو شمس المغرب الذي تطلع بنفسها.
شمسُ المغرب هو الختم لكن في حالة جذبه .. لذلك قال الشيخ الأكبر : شمس المغرب دون الصدّيقية والصدّيقية دون الختم.
انّما هي دون الصدّيقية لأنّ صاحبها مجذوب لم يدخل عالم الجبروت .. لكنّ الحقيقة ذاتُ المهدي المجذوب لا يعلوها أحد ولو كان مجذوبا وغير كامل ..
لأنّه شمس المغرب محلّ الافشاء والكتم ، ولأنّه المحظوظ الذي أودع الله فيه قائم الأحديّة. ولأنّه العبدُ الذي سلك ولم يكن لنفسه حظّ في سلوكه ولا شيطان .. فهو الذات الشريفة المكتومة حتّى يُشرِقُ سرّها المكتوم. سرُّ الأسرار وحقيقة الحقائق.
سرُّه الأعظم في الاسم الأعظم ، بل كونه الاسم الأعظم بالحقيقة والعين، فكان مهدياً يُهدى لما استودع الله فيه اسمه الأعظم، فيصيرُ خليفةً في الأرض لله ..
كلّ الأنبياء والأولياء ظهرتْ ذواتُهم في الأرض .. الأرض هي محلّ ظهور الذوات والأجسام فصاروا خلفاءً في الأرض، لكنّهم في الحقيقة هم عينُ الأسماء فيكونُ لكلّ خليفة اسمه ومقامه في السماء .. وهذا هو معنى الخلافة في الأرض.
قال الله تعالى (وما منّا إلاّ له مقام معلوم )
وخليفة الله لها معناها أنّه هو عينه الاسم الأعظم.
لذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :"خلق الله آدم على صورته"
وهذا هو سرّ اصطفاء الإنسان وكونه أفضل المخلوقات .. هو أنّ الإنسان خلقه الله في أحسن تقويم، وفي أعلى المنازل وفضّله تفضيلا .. فكانت له الأسماء مقاماً اذا سلك لها سبيلها وطوى طريقها ووصل الى الله سبحانه"من عرف نفسه فقد عرف ربّه"
ربّك هو حقيقة نفسك واسمك وسرّك الذي أودعه الله فيك لتعرفه به، فما ثمّ موجود الاّ الله في الحقيقة ..
فمن عرفَ نفسَهُ على الحقيقة فقد عرف الله ..
قال الله تعالى : {إنّا لله وإنّا إليه راجعون}
وقال تعالى : {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [ المائدة : 48 ]
فحقيقتنا ومرجعنا إلى الله لأنّه هو الأصل ونحنُ الفرع والأثر.
فالانسانُ برزخ بين الحقّ والخلق، وهذه البرزخية في الحقيقة تحتملُ الحقيقتين والامكانين .. فالبرزخُ له وجهان .. لذلك سمّيَ برزخاً.
وانّما أودعَ الله في الانسان الوجهين .. ولذلك قال سبحانه {ثمّ رددناه أسفل سافلين}
وأحقّ الله أن يكونَ أغلبُ النّاس غير شاكرين وغير عارفين وغير ساعين لهذه الحقيقة القدسيّة العلويّة .. وهذا الشرف العالي المودع فيهم جميعا.
فكان أغلبُهم كافرين، وأغلبُهم منقادين للوجه الأسفل منهم فقط ، وانحصارهم في عالم الأكوان والخلق.
قال الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فحقيقة الخلق المكلّفين منهم من الجنّ والإنس أنّ الله خلقهم لعبادته ومعرفته وتوحيده وإعلان حقيقتهم التي منها جاؤوا وبها قاموا.
ولكنّ النّاس ألهتهم زينة الحياة الدّنيا عن حقيقتهم وسرّهم الأعلى وحريّتهم المطلقة وسعادتهم الكبرى .. قال الله تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ}
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
قال الله تعالى ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين* قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)) [البقرة:30 -32]
فهذه قصّة خلافة آدم عليه السلام وبنيه في الأرض..
ومن عِلْم الأسماء كان فضل سيّدنا آدم على الملائكة، وكانت له مرتبة الخلافة في الأرض.
وهي خلافة الله سبحانه .. والانسانُ أودع الله فيه سرّه ونفخ فيه من روحه، ومن أجل ذلك السرّ وتلك الأسماء التي رفعت بني آدم الى مصافّ الخلفاء الذين استحقّوا الخلافة في الأرض... كان سرّ سجود الملائكة لسيّدنا آدم عليه السلام.
لمّا اعترض الملائكةُ اعتراض خوف إفساد هذا الخليفة في الأرض وشفقة لا اعتراض استعلاء وتمرّد، والملائكة منزّهة عن ذلك بل يفعلون ما يؤمرون ومقامهم التقدّيس لله كما ورد في الآية الكريمة. وكما قال العارفون بالله.
فلمّا وقع الاعتراض أمرهم الله أن يسجدوا لآدم، وانّما سجدوا لسرّ آدم الذي أودعه الله فيه ، ونفخة روح الله فيه. وسرّ الأسماء التي علمّه الله وبها صار خليفة وبها ارتقى الانسان الى الخلافة في الأرض.
وما أطلقت لفظة " خليفة الله" الاّ على سيّدنا المهدي عليه السلام في الحديث الشريف :
روى ابن ماجة أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال (..فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي).
وروى الحاكم في مستدركه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال(.. إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
فكان المهدي عليه السلام هو الخليفة الكامل الذي استحقّ هذا اللفظ وهو المقصود حقيقة في الآية القرآنية بقول الله {إني جاعل في الأرض خليفة}
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
يتبع ان شاء الله
أحمدُ
11-16-2011, 09:27 PM
قبل أن نعود الى كلامنا عن المهدي المجذوب ..
نتكلّمُ عن الإمام المهدي عند كماله وبيعته وحين يصبحُ حاملاً للقب خليفة الله.
فالإمام المهدي عليه السلام حينما يبايع بين الركن والمقام في مكة، يومها يصبحُ المهدي الإمام المسدّد القائد الذي تجبُ بيعته وطاعته وهو المشارُ اليه بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم (..فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي).
هناك فهو خليفة الله، وليّ الله المهدي يبايعُه بين الرّكن والمقام خيار أهل الأرض جميعاً، على عدد أهل بدر 313 ، فيهم السبعة العلماء أكابر أهل الله في زمانهم يعرفون المهدي كشفاً وتعريفاً من الله، فيأتون الى مكّة يطلبونه، كما هو مشهور من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .. ومع هؤلاء السبعة أبدال الشام وعصائب أهل العراق ونجباء مصر وصلحاء اليمن والمغرب .. فإذا بايعه خيار أهل الأرض فقد أوجبَ الله أن يبايعه من دونهم، ناهيكَ عن كونِهِ خليفة الله المبشّر به من نبيّ الله سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليُبايع على السمع والطاعة كما هو معلوم في زمنٍ تنفرِطُ فيه عرى الإسلام وأسباب أمن ووحدة وهداية الأمّة، فتكونُ بيعتُه واجبة لازمة على كلّ مسلم .
والمهدي عند بيعته خليفة الله ما من إمامٍ إلاّ وخاضعٌ له .. فيكتبُ الله له التأييد والنّصر والعزّة .. مخالفه مخذول وعدوّه مقهور ، وهو ظاهر عزيز منصور، سوف يُغيّر الأرض في زمنٍ بسيط ويحييها بعد موتها كما يُحي الأمّة، ويبعث الدين بعثاً .. ويعاقب المفسدين وعلماء السوء والسلطان، ويبتر عصائب السوء وطوائف البدع والشرّ، ويرفع المذاهب ويزيلُ الطّرق والفرق، ويرحمُ المساكين، ويُكرمُ الله الأمّة في زمانه بالخير الكثير والعطاء الوفير، وقد يمرُّ على قريةٍ فيُحييها بنظرة، أي يحيي قلوب أهلها ويبعث إيمانهم المستكنّ فيهم، وقد يغرسُ عوداً أو رمحاً على الأرض فيخضرّ ويُورِقُ لو شاء .. ذلك هو خليفة الله المهدي ... انتظرَته الأرض آلاف السنين لتعانق ظهوره ووجوده. حامل الإسم الأعظم بأهليّة وتمامه وليس ذلك لغيره.
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
أمّا المهدي قبل بيعته وليلة إصلاحه التي قال فيها النبيّ صلى الله عليه وسلّم : « الْمَهديُّ مِنَّا أهْلِ الْبَيْت ، يُصْلِحُه اللهُ فِي لَيْلَةٍ » رواه أحمد وابن ماجة وابن ابي شيبة باسناد صحيح.
قبل كماله فهو مجذوب، أي غير كامل، ومعناها مجذوب الى الحضرة الالهية، ولم يبلغ درجة الكمال التي تجعله مسدّد الظاهر وصاحب الأمر والقائد المنتظر، إذ هو مجذوبٌ إلى حضرة الله ودرجة الكمال وسالك بعناية الله سبحانه وهدايته له، فهو المهدي الى كلّ خير المجذوب الى كلّ نور.
يؤتى القطبيّة، أي توضعُ قطبيّة العالم فيه يوم يأذنُ الله ويكونُ مجذوباً .. وبغير علمه وإرادته.
والقطبيّة لا يؤتاها على مدى الأزمان سوى خير أهل الأرض في زمانه الذي تقومُ عليه الدّنيا ويكونُ محورها، ولا يؤتاها إلاّ وارث محمديّ بعد بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وحامل للإسم الأعظم.
ويؤتاها كما ذكرنا المهدي من غير علمه، وبعلم أكابر الزمان السبعة الذين يتعهّدون أمرَ المهدي قبل كماله. ويخرجون معه بعد بيعته مستشاروه ومقرّبوه في الخلافة.
وقد ذكرنا سابقاً أنّ المهدي انّما أودعتْ فيه القطبيّة مجذوباً وقبل الكمال وفي زمنٍ أشدّ ما تكونُ الأمّة فيه الى مصلحٍ متفرّدٍ يخرجها من الوحل والهاوية التي سقطت فيها ..انّما أودعتْ فيه القطبيّة لأنّ الله أودع فيه سرّه الأعظم وقائم الأحديّة.
وليس ذلك لغيره، إذ تفرّدَ بهذا وحده فهو لا نظير له على الإطلاق ..
فتوضع فيه القطبيّة ببضع سنوات قبل بيعته تماماً كما يحكم سبع سنين ويخرج الدجال في زمانه أربعين يوما (يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وباقي الايام كأيامنا) ثمّ ينزلُ عليه المسيح عليه السلام ليقتل الدجال ويصلّي خلف المهدي ويبايعه كما جاء في احدى الروايات الشريفة.
فلمّا كان مجذوباً، بان سرّ هذا العبد المتفرّد عند ربّه، فهو مجذوب غائب عن نفسه من جهة كونه قطباً، ومع ذلك ففيه ذلك السرّ الذي يقابل الأسماء بأضدادها من غير قوّة وتكلّف منه، بل تامّ الصدق تامّ التوجّه لله في كلّ ردّات فعله .. وهو مجذوب وغير موجود بعد في مقام القدوة والقيادة الظاهرة.
سوف يقلِبُ الكونَ والأرض في بضع سنين قبل أن يخرجَ في ثوبِ المهدي الظاهر الخليفة الذي يصلحه الله في ليلة .. فيصبحُ قطباً ظاهراً وقطباً صريحاً وقطباً عالماً كاملاً إماماً قائداً مطاعاً لا يُعصى له أمر .. ومسدّد معصوم لا يخطئ أبدا.
تابع في الشرع لخاتم الأنبياء عليه السلام وهو من ولده وذريّته والشريعة والرسالة ختمت بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلّم.
فيبعثه الله ليحيي الأمّة ويبعث الشريعة، ويسقط دولة الدجّال الكبرى وهيمنتها على العالم قبل أن يخرج الدجال الأعور الذي يدّعي الرّبوبية ..
وكلّ سيرة المهدي الظاهر في سبع سنين الى نزول المسيح عليه السلام روح الله، هي سيرة المهدي الباطنية في قطبيّته الباطنة وخلافته الباطنة.
وصراعه مع انعكاسات الأهواء والأسماء الموجودة بداخله يوم نزلتْ عليه القطبيّة، ونزلتْ عليه آثارُ التجليّات كلّها .. فهذا هو معنى القطب .. هو الذي يحملُ عن النّاس كلّ التجليّات ويقابلها بما أمدّه الله من سرّ الاسم الأعظم.
الاّ المهدي الذي كان سرّ الإسم الأعظم فيه كاملاً وعلى الحقيقة وليس على المجاز فيقهر آثار الأسماء وطغيانها على بعضها .. ويردَّ الكونَ إلى حقيقته الأولى، قبل أن يُستخلف الإنسان ويظهرَ فسادُ بني آدم في الأرض .. لأنّ المهدي أودعَه الله السرّ الأعظم الذي أسجد الملائكة بسببه لسيّدنا آدم عليه السلام، فالخليفة المقصود في القرآن هو الإمام المهدي عليه السلام.
ولمّا كانت الأرضُ عند تسلّم المهدي القطبيّة في فساد عظيم وظلم مبين وسيطرة عصبة الدجّال وأتباعه من الماسون والمفسدين .. فقد كانت مهمّة المهدي عظيمة أن يقهر آثار الأسماء الطاغية التي تجلّت آثارها في آخر الزمان بهذا الطغيان والجبروت العظيم الانسانيّ الضالّ عن الله سبحانه .. يقهرَ الأسماء بأضدادها ويردّها الى الإسم الجامع ومحصّل الأسماء جميعها فتتراحمُ فيما بينها الرحمة العظمى وتظهر الحقيقة الأحدية والشريعة المحمديّة في أنصعِ أثوابها في حلّة الإسلام والخلافة الإلهية التي يُقيمها المهدي عليه السلام وتظهر في حكم المسيح عليه السلام.
لذلك كان المهدي مهديّاً ، وسميّ المهدي .. لأنّه المهدي إلى سرّ الإنسان الأعظم الذي اجتبى الله به النّوع الإنساني فكان بهذا السرّ وهذه الهداية والعناية الإلهية :خليفة الله بإطلاق ..
وكان يسمّى يومها أي يوم استوائه على الخلافة وبعد بيعته الكبرى بين الركن والمقام : السيّد الصّمد .. صمدٌ كامل إمام الأئمّة .. إذا ظهر فليس وراءه إمام. من بايعه فقد بايع الله سبحانه عزّ وجلّ. وهو رمز الحجر الأسود وذلك تفهمُه في حقيقة بيعته بين الركن والمقام، والحجر الأسود هو رمز بيعة الله والميثاق الذي أخذه من أرواح النّاس يوم اشهدهم أنّه ربّهم فقالوا بلى. فافهم. فإنّه لكلّ شعيرة وحدثٍ حكمةٌ ومعنى ومز علمه من علمه وجهله من جهله.
قال الله تعالى سبحانه : ((أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ)) النحل 1/2
فهذه الآية قال بعض المفسّرين ومنهم الشيخ الأكبر قدّس الله سرّه نزلت تخبر عن المهدي، الذي سوف يكونُ وقتُه وقتُ معاينة الساعة وأحداث القيامة وقربها .. فقد كان المهدي علَمٌ على الساعة وبين يديها نذير.
فالمهدي كما يسمّى خليفة الله، فهو أمرُ الله الذي أرسله عند آخر الزمان لتقع أهوال آخر الزمان ونذرها الكبرى التي تسبقه وتواكبُه. وأمرُ الله هو اسم الرّوح الإنسانيّ : الملك الأعظم المسمّى بالرّوح. والمهدي من أسمائه المشهور بها : القائمُ بأمرِ الله.
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
يتبع ان شاء الله ..
أحمدُ
11-18-2011, 05:48 AM
المهديّ تعني المجذوب
قد يتساءلُ البعضُ مستغرباً مستنكراً ؟
ما هذا الاصطلاح الغريب وما المقصود بكلمة المجذوب ؟
وما علاقته بالمهديّ ؟
ونقولُ : أنّ العلاقة كلّ العلاقة بين كلمة المهديّ وكلمة المجذوب.
فالمهديّ إنّما سمّي المهدي لأنّه مجذوب .. مجذوب الى الله من الله .. مجذوب الى حضرته بعنايته ورعايته.
قال الله تعالى (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب)- الشورى 13 -
فالمهديّ تعني المجذوب والمجتبى .. حفظه الله تعالى ورعاه ولم يكله الى نفسه.
وممّن تكلّمَ على المهديّ على سبيل الكتمِ، الإمامُ الحكيمُ الترمذي رضي الله عنه وهو من أئمة السلف وأعيانهم، وتكلّم عنه في كتابه "ختم الأولياء".
وختم الأولياء في الحقيقة هو المهديّ، فإنّ السّادات أكابر أهل الله من أمثال الترمذي والشيخ الأكبر ابن العربي رضي الله عنهم لمّا أرادوا أن يبوحوا ويفصّلوا في خصوصيات المهدي من غير أن يثيروا زوبعةً، أو آثاراً جانبيّةً، قبل أن يأتي زمن المهديّ وتظهر الحقائق على يديه وبين يديه، أتوا إلى مصطلح الختم، ختم الأولياء وضمّنوا فيه كلّ خصوصيات الختم وفضائله العظمى، وليس الختم والخليفة سوى المهدي عليه السلام. فما بشّر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الاّ بالمهديّ وما خصّص فضل أحدٍ بعده سوى المهديّ، ناهيك عن الأحاديث الواردة في فضل المهدي (( المهدي طاووس أهل الجنّة)) .. وغيره من الأحاديث التي قد نفردُ لها موضوعاً خاصاً ان شاء الله.
قلتُ فأتوا الى الختم، الذي يختم الولاية وليس هو سوى المهديّ عليه السلام آخر الخلفاء والأولياء الذي يليه نزول سيّدنا المسيح عليه السلام، ولا ينزلُ المسيح عليه السلام إلاّ في خلافة المهديّ وبسبب المهديّ، وقد سبق أن ذكرنا ذلك أنّ روح الله عليه السلام نزل على قلب المهدي في خلافته الباطنة في ليلة صلاحه وبيعته وكماله فقتل دجّال المهديّ الباطنيّ النفسيّ، وانعكس النزول في الخلافة الظاهرة فقتل المسيح عليه السلام الدجال الأعور المدّعي للربّوبية.
فأتوا الى الختمَ، فأمّا الحكيم الترمذي فوصف الختم اي المهدي قبل بيعته وكماله وظهوره، وأمّا الشيخ الأكبر فوصف مقام المهديّ الخليفة .. مع إلغاز مقام المهديّ قبل الكمال، وان كان تكلّم عنه بصفته الختم بين الكتميّة والختميّة، في كتابه الأبهر " عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب"
وقد سبق أن أشرنا أنّ المهدي هو شمس المغرب .. المهدي المجذوب قبل الكمال هو شمس المغرب وبعد الكمال هو الختم والخليفة الكامل والإمام الظاهر المنصور عليه السلام.
قلتُ فمن شاء أن يطّلعَ على صفة المهديّ قبل الكمال، فلينظر في كتاب "ختم الأولياء" للترمذي وليتأمّل فيه برويّة، سيجد العجب.. وقد سمّى الترمذي الختمَ : الوليّ المجذوب ..
لتعرفَ أنّ المهديّ إنّما سمّي المهديّ، لتعطي معنى المجذوب.
ولكنّ المجاذيب في عالم السّلوك كثار، وإنّما تميّز بها المهديّ، لأنّه خالف الأكابر في الولاية، فكان مجذوباً بصفة كاملة .. ليسَ له حظّ نفس في سلوكه، الله وحده لا شريك له وليَ أمرهُ وسلوكه اليه.
ولأنّه يُصلحه الله في ليلة، على خلاف الأكابر الذين يسيرون في عالم السّلوك زماناً طويلاً، فكان المهديّ مهدياً مجذوباً وليَ الله أمرَ سلوكه ورعايته يقلّبُه في عنايته وتعهّده حتى وصلَ الى لحظة وساعة الفرق والفصل التي صارَ فيها جاهزاً لاستواء الاسم الأعظم على قلبه. فكانت تلك هي ليلة صلاحه.
قال الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام: "فيكون هذا الأمر في أصغرنا سنّا وأجملنا ذكرا، ويورثه الله علما ولا يكله إلى نفسه" (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر)
قال الحكيم الترمذي رضي الله عنه في كتابه الختم في (الفصل الرابع والعشرون) (المجذوب)
((قال له القائل: صف لنا شأن المجذوب، من مبتدأه إلى منتهاه إلى آخر صفته وخبره.
قال: نعم، إن شاء الله تعالى! اعلم أن المجذوب في مبدأ أمره (هو عبد) صحيح الفطرة، طيب التربة، عذب الماء، زكي الروح، صافي الذهن، عظيم الحظ من العقل، سليم الصدر من الآفات، لين الأخلاق، واسع الصدر، مصنوع له، أعني: محفوظاً عليه. فإذا بلغ وقت الإنابة هداه (الله) ووفقه للخير، حتى إذا بلغ وقت كشف الفتح، فتح له. ثم أخذ بقلبه فمر به إلى العلاء، إلى المكان الذي رتب له بين يديه. ثم رجع به فصيره في قبضته. ثم جعل بينه وبين النفس حجاباً، لئلا تشارك النفس القلب في عطاياه.
ووكل الحق بنفسه ليغذوها قليلاً قليلاً، بقدر ما تحتمله النفس من العطاء الذي يرد على القلب. و(هكذا) يؤدبه (الله) ويسير به إلى المحل الذي رتب له بين يديه.
فقلب (المجذوب لا يزال بدياً) مسجوناً في القبضة (الإلهية) لا يقدر أن يصل إلى محله من الله تعالى من أجل أن النفس مشحونة بعجائب الأنوار. والنفس يسار بها قليلاً قليلاً، برفق حتى لا تعجز وتعيا. فيرد عليها من النور على قدر احتمالها من العطاء. ففي أول ما يرد عليها من العطاء ما يسكرها عن شهوات الدنيا. ثم بعد ذلك، يرد عليها من العطاء ما يسكرها عن وجود حلاوة هذا العطاء. ثم بعد ذلك، يرد عليها ما يسكرها عن وجود حلاوة القربة. ثم توصل إلى مكان القربة. فتتغذى هناك وتؤدب مع القلب جميعاً. ويؤيدها الحق: فيورد عليها الأنوار، أنوار الملك حتى يقومها ويؤدبها ويطهرها!
قال له قائل: ما آخر تقويمها؟ أجمله لنا، فإن الوصف في هذا يطول على الامتحان والاستقصاء!
قال: إن المجذوب ملزم، موكل به الحق ليحرسه، حتى لا يقع في مهلكة فيسقط بها. والله يغذوه برحمته حتى لا تبقى في نفسه مشيئة تتحرك. فحينئذ تبدو له المشيئة العظمى، من ملك الرحمة. فيكشف له الغطاء، ويؤمر أن يقدم إلى الفخر.
قال: وما الفخر؟
قال: معرض المحدثين.
قال: وما صفته؟
قال: قبة من نور القربة، لها أربع طبقات، مرخى عليها الحجب. فيرفع الحجاب الأول أمام القبة، فتبدو له عظمة الله. فتجيئه العظمة فتكتنفه حتى يتحمل ذلك ثم يمهل حتى يقوى. ثم يعاد. ثم تتجلى له العظمة من الله، ثم تجيئه العصمة فتكتنفه فيقبله (الله) ويرضى عنه. ويأمر الله الروح الأمين، عليه السلام! أن ينادي من بطن العرش، في السماوات: بالرضى عنه. فينادي جبريل عليه السلام: (إن الله قد أحب فلاناً، فأحبوه) فيوضع له القبول في الأرض. وقد جاءت الأخبار بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يهيئوا (الله) له في كل يوم مجلساً، وفي كل مجلس نجوى!
قال له القائل: كلما طلبنا الاختصار، وقعنا في بحر!
قال: نعم، (ومع ذلك فإني) أجتهد أن أختصر لكم من كل شيء شيئاً: فما هذا الذي وصفت لكم إلا كرأس إبرة من بحر لجي، في جنب ما للعبد بين يدي (الله تعالى) من الرعاية والتنعم بوجهه الكريم، ففكر في نفسك، هل يلتفت هذا الموصوف بهذه (الصفة) إلى كلام أحد، أو ثناء أحد، أو مدح أحد؟ وهل يعبأ بمكروه؟))
وقال أيضا في نفس الفصل : ((قال له القائل: ذكرت أنه لا تبقى له مشيئة، وكيف تنقطع عنه مشيئة الوصول إليه؟
قال: لو تركه عمر نوح، عليه السلام، لم تنقطع عنه تلك المشيئة. ولكن الله لطيف بعباده، حكيم في أمره. يلطف بعبده حتى يقطع عنه المشيئة. فحينئذ تظهر نفسه من جميع المشيئات ويصح للقبول.
فإنه ما دامت له مشيئة واحدة فنفسه معه. فليس للقلب أن يتقدم إلى الله تعالى، في مقام العرض ليقبله ويتخذه عبداً، بعد أن تولى سيره إليه بنفسه. ولا يكله (الله) إلى نفسه حتى يجاهد. وليس لمثل هذا القلب أن يتقدم إلى الله تعالى مع نفس فيها مشيئة. لأن تلك المشيئة شهوة، (وهي خيانة من النفس) وسوء أدب، وليس للخائن أن يقرن بالأمين حتى يتقدما إليه (إلى الله تعالى) فيقبلهما.
قال له قائل: فكيف لطف الله تعالى بعبده من هذا المقام حتى انقطعت (عنه) مشيئته؟
قال: لو ضننت (بالإجابة عن هذه المسألة) على الخلق أجمعين حتى أصيب لها أهلاً لكنت محقاً بذلك. ولكن قلبي أجده يعطف عليك؛ وأحسب أن فيك لله خشية. إذا خرجت للعبد الرحمة، من ملك الرحمة، سقاه ربه شربة يسكره بها عن هذه المشيئة!
قال (القائل): وما هذه الشربة؟
قال: شربة الحب.
قال: وما هي؟
قال: كفاك هذا! - فصار (العبد) بحال لم يعقل من هذه الأمور شيئاً. فباطنه سكر، وظاهره حيرة وبهتة. وأما المشيئة فمفقودة في هذا السكر. فإن أفاق من سكره قليلاً صرخ إلى الله تعالى، صراخ المضطر، فجاءت الرحمة فاحتملته ووضعته بين يديه.
قال القائل: ولم يصرخ؟
قال: لأنه لما أفاق من سكره قليلاً وجد ريحاً.
قال: وما ذاك الريح؟
قال: ألم تر إلى الطفل إذا فقد أمه بكى وتحير في الوجوه وأخذته الغربة، لأنه لا يجد أمه. فلا ينام ولا ينيم. حتى إذا وجد ريح الأم تهلل وصرخ!
قال القائل: لقد جئت (يا شيخ) بمثل عظيم! فما هذا؟
قال: ويحك، إن العظيم في جلاله لما قرب هذا العبد، خرجت له الدولة من مشيئته على طريق المحبة والرأفة والتحنن عليه. فلما بلغ هذا المحل أفاق من السكر، وقد انطمست المشيئة عنه بسكره. وفيه بقية من السكر. وهو قلب غريب في مفاوز الحيرة، منفرد في تلك الفردية. و(فجأة) وجد ريح الرأفة (الإلهية) في قلبه، فصرخ إلى ولي الرأفة. فجاءت الرأفة فاحتملته. وبلغته الرحمة، فأخذته فأدّته إلى مولاه. فأوصله إلى نفسه بلا مشيئة. فإن هذه أقوى المشيئات وأعظمها. ويستحيل أن تسقط عن النفس إلا من هذا الوجه، الذي لطف الله تعالى بعبده فيه .))
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
يتبع ان شاء الله ..
أحمدُ
11-18-2011, 05:50 AM
روى عبد الرزاق:11/372 عن أبي الجلد قال: تكون فتنة ثم تتبعها أخرى، لا تكون الأولى في الآخرة إلا كثمرة السوط تتبعه ذباب السيف، ثم تكون فتنة فلا يبقى لله محرم إلا استحل، ثم يجتمع الناس على خيرهم رجلاً، تأتيه إمارته هنيئاً وهو في بيته.
وعنه ابن حماد:1/344، وابن أبي شيبة:15/246، وفيه: ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته هنياً.
إنّ المتأمّلَ في هذه النّصوص التي تصفُ أنّ الإمارة والخلافة تأتي خير أهل الأرض وهو قاعدٌ في بيته، يجدُ أنّ ما ذهبنا اليه صحيح من كون المهديّ عليه السلام، يستلّمُ الخلافة أوّلاً مجذوباً في بيته، وهي القطبيّة .. فالقطبيّة هي الخلافة .. وهو معنى ما ذكرناهُ أنّ الخلافة تنزلُ الأرض المقدّسة، أي قطبيّة المجذوب ..
لأنّ المهدي في الصحيح والصّريح والمشهور أنّهُ يُبايعُ بين الرّكن والمقام عند الكعبة في مكّة، فدلّ ما سبقَ أنّ النّصوص تتكلّم عن البيعة الأولى التي تتمُّ له من غير أن يعرف، فهو مجذوبٌ تنزلُ عليه الخلافة والقطبيّة رغماً عنه، ولمّا كانت سيرة الخلافة الظاهرة للمهدي عليه السلام مطابقة لسيرة الخلافة الباطنيّة وجهاده لأهوائه وباطنه ..
فبيعة المهدي وقعت له على الإكراه في الباطن والظاهر على السواء .. فالظاهر يتبعُ الباطن.
وهو مجذوبٌ غافلٌ عن الدّنيا، وعن حقائق القطبيّة ومعارف أهل العرفان والأقطاب .. كان خير أهل الأرض.
ذلك أنّه الأرض المقدّسة، وأنّه المهدي خليفة الله، والختمُ المجذوب .. سيكونُ أوّلاً قطباً مكتوما .. بضع سنين قبل بيعته الظاهرة وظهوره.
ثمّ يكونُ المهدي خليفة الله الذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنّه خليفة الله المهدي)
والحقيقة هنا ما يعضدُ تلك النّصوص السّابقة، من اقوال أهل العرفان، فقد قال شارح عنقاء مغرب الشيخ قاسم السعدي الشافعي رضي الله عنه من علماء القرن العاشر في مقدّمة كتابه "السرّ المكتوم على الوعاء المختوم" .. الذي هو شرح عنقاء مغرب للشيخ الاكبر ، أنّ الختم وخلاصة نتيجة الكتاب اي كتاب عنقاء مغرب وختم الاولياء رآها في رؤيا ورأى طاووسا ليس أجمل منه ( والطاووس هو المهدي) ، ورأى طرسا مكتوباً عليه أبيات تلخّصُ حقيقة هذا الختم فقرأ الأبيات :
لا ينالُ القربَ إلاّ فتى *** فارق الأقران والخلاّ
جاهداً للنّفس مجتهدا *** يكتفي بالخبى والخَلا
فهذا هو الختم المجذوب، فتى يكتفي بالخبا والخلا .. مفارق للأقران والخلاّن، مجذوبٌ يطوي الأكوان والمفاوز بسيرة مختلفة، وبصدق تامّ ليس في سيره الى الله حظّ نفس أو تلبيس شيطان، لما أودع الله فيه من سرّ الاسم الأعظم، وقائم الأحديّة.
وهو نفسُ ما ذكره الحكيم الترمذي عن هذا الختم المجذوب الذي لا يسلك ولا يُجاهد نفسه كما يُجاهدها غيرهُ، ويتكلّف غيره، وقال أنّه ليس له إرادةٌ مدخولة ما دامتْ نفسه تشاركه في السلوك، ولا يمكنُ أن يكلَه الله الى نفسه اي يمسكُ بزمامها وينتهي دخنها وحكمها، الاّ إذا جاهد .. وهذا القلبُ المتفرّد لا يُمكنُ أن يُجاهد تكلّفاً.
سرّه الأعظم أنّه أقامه الله أن يسير الى الله بغير تكلّف وبغير حظ نفس، وشرح ذلك الحكيم الترمذي رضي الله عنه في ما ذكرناه سابقا ونقلناهُ عنه ..
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
فهذه كلّها سيرةُ المهدي المجذوب قبل كماله، الذي أقام الخلافة على نسخته الانسانية على العدل الكامل والحكم الشامل وعلى مقاس الاسم الأعظم الله .. فخرجت خلافة المهدي الظاهرة على منهاج النبوّة، عادلة كأتمّ ما يكونُ العدلُ، فليس أعدلَ من مفاعل الإسم الأعظم الذي يقهر طغيان الأسماء على بعضها بعض.
وخرجت خلافة وإمامة كاملة قائمة على أركانها التسعة التي ذكرها الشيخ الأكبر في كتابه الفتوحات المكيّة، وكان المهدي يقسّمُ بالتساوي وصحاحاً، فذلك هو سرّ الإسم الأعظم الذي قامتْ به قطبيّة المهدي المجذوب.
ويعكسها ويُترجمُها في الظاهر الختم الخليفة المهدي الكامل .. فكانت سيرتُه بين اللّين والعنف.
شديدٌ على العمّال من الحزم والشدّة كما هو حال الفاروق رضي الله عنه، وشديدٌ على المخالفين وأهل الظلم يُبيدُهم إبادة قد جعله الله سوطه في أرضه ، ورحيم بالمساكين كأنّه يطعمهم الزّبد وهو أرحمُ الرحماء.
ولذلك كان المهدي الظاهر حاكماً بالحقيقة، وعدالته تامّة لا تقوم على المظاهر، بل على العدل التامّ، مهما اختفت الجنح والجرائم واختفت الدّلائل، فالمهدي لا يحتاجُ الى الأدلّة الظاهرة، بل يستخرجها استخراجاً ويحكمُ على الظالمين والمجرمين والمفسدين.
وقيلَ إنّ المهدي إذا خرج أخرج البعض من الصّفوف الأولى من المساجد وضرب أعناقهم، لا يخفى عليه أمر منافق أو مفسد أو متخفّي .. كلاّ فهو الحاكمُ والإمام الذي يقيم العدل على القسطاس المستقيم.
أخرج نعيم عن جعفر بن يسار الشامي قال يبلغ رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده
وكلّ هذا من أثر الإسم الأعظم الذي يُعطي العدالة والكمال والحدّ الأكمل لكلّ حقيقةٍ، ولكلّ مسألة ولكلّ شيء ..
وحتى الملاحم التي تجري في عهده، فهي تجمعُ بين الفتوحات والنّصر والعزّة من جهة، وتجمعُ من جهة أخرى على التصفية والغربلة في صفوف المنافقين والمتخاذلين.
ولو فصّلنا لطال الأمرُ، ولكنّها ظاهرةٌ في النّصوص والأحاديث الشريفة، وكيف ارتقى شهداء المهدي عليه السلام أن يكونوا في مصافّ أفضل الشهداء عند الله .. وكيف في نفس الوقت من انهزمَ في ملاحمه وفرّ كانت عاقبته الفتنة والخذلان الأبديّ ..
وكيف يخرجُ في زمان المهدي عليه السلام الدجّال، أعظم فتنة في الأرض منذ عهد سيّدنا آدم عليه السلام كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلّم.
كلّ ذلك ليكون التمحيصُ على الشعرة ودقيقاً عظيماً ..
طبيعة الإسم الأعظم أن يكون غرباله أعظماً أكبراً .. خارقاً لدرجة أن يخرج الدجال يحيي ويميت ويظهر الخوارق ويملك مثلما كان يملك الأنبياء من معجزات .. ليضلّ الناس الذين في قلبهم مرض وعوج وفتنة ..
الإسم الأعظم لا يستوي على قلب صاحبه حتى يكونُ ميزانه كالشعرة أحدُّ من السيف .. وطبيعتُه أنّه يقهر طغيان الأسماء بعضها على بعض .. فيستخرج آخر معاقل الفتنة والشرّ والدخن .. وما من دخيلٍ مدّعٍ ومنافق إلاّ ويسقطُ في فتنة الدجّال.
حتى الذين يلجؤون للمدينة المنورّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فالنبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : سوف يرغي الدجال ويزمجر قرب المدينة فيخاف كلّ منافق فيها و دخيل فيخرج اليه، مع أنّها مدينة محصّنة وممنوعة عن الدجال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وتنصع طيبها). رواه البخاري
وفي النهاية بعد تلك الفتنة التي يصيرُ فيها الناس الى فسطاطين لا ثالث لهما ينزل المسيح عليه السلام، فيقتل الدجال ومن معه من أعوان وأتباع.
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
تلك السيرة الظاهرة هي سيرة المهدي المجذوب وفعل الإسم الأعظم في باطنه وعدله وصدقه التامّ الذي يُقابل الحقائق والأسماء بأضدادها حتى تستوي وتتكافأ .. وتصيرَ على حدّها الكامل وهو الإسم الأعظم.
لأنّ الأسم الأعظم " الله " : هو اسمٌ ذاتيّ ليس صفاتيّ، أي لا يُعطي صفةً دون صفة، كلاّ بل هو اسم جامعٌ ومحصّل لجميع الأسماء الحسنى .. والأسماء الحسنى لا نهاية لها في الحقيقة.
قال صلّى الله عليه وسلّم : (اللهم اني عبدك ابن عبدك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استاثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القران العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي)
ولكنّ الأسماء الحسنى المشهورة والأساسية والجامعة لبقية الأسماء الأخرى كانت 99 كما وردت في أحاديث شريفة.
والجامع لها ولجميع الأسماء الحسنى هو اسم الله .. فكان هذا الاسم الجامع الأعظم الله .. هو محصّلة جميع الأسماء الحسنى الأخرى.
لذلك تتكافؤ فيه الصفات والأسماء وتستوي استواءً كاملاً أعظما ..
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
يتبع ان شاء الله
أحمدُ
11-18-2011, 06:14 AM
الآية التي كانت سرّ المهدي .. "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ "
لبسم الله الرحمن الرحيم
ما هي ميزة المهدي ؟ ليكونَ مجذوباً وبسيطاً في ظاهره، مكتفياً بالخبا والخلا كما قال العارف بالله العالم الشيخ قاسم السعدي رضي الله عنه وكما قال الحكيم الترمذي ختم مجذوب الى المواطن تجذبه المواطن موطناً موطناً فيقتبسُ من أنوارها وأسرارها ؟
ما هي ميزة المهدي خلاف العنوان الكبير .. أنّه يحملُ الإسم الأعظم وسرّه المتغلغل فيه بلا انفصال ؟
سوف نجدُ الميزة مذكورة في كتاب الفتوحات المكيّة حينما يتحدّثُ الشيخ الأكبر عن المهدي الظاهر.
وكثيرٌ كثيرٌ من الصوفية وغيرهم يظنّون أنّ الشيخ الأكبر يصفُ المهدي الظاهر بعد البيعة.
والشيخ الأكبر قدّس الله سرّه، دارى ختمية المهدي بخصال المجذوب قبل الظهور .. فكان يصفُ المهدي.
فالمهدي بعد الظهور هو الختمُ الإمام المطاع الخليفة خليفة الله الذي تجبُ بيعته وله تخضعُ العوالم بسرّه الأعظم.
أمّا المهدي المجذوب قبل الظهور فهو القطب المكتوم، والعبد المجذوب الذي أودعَ الله فيه سرّ الوصول الى مرتبة الختم، وسرّ المهدي المدّخر لآخر الزمان.
ليُعجز الله به عباده جميعا أنبياءً وأولياءً .. وملائكة حينما اعترضتْ الملائكة في استخلاف الانسان على الأرض. فكان المهدي هو الخليفة باطلاق المقصود وغيره بالعرض فقط.
۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩ஜ۩۩
فما هو السرّ الذي ذكرَه الشيخ الأكبر عن المهدي المجذوب الذي أوجبَ له تلك المرتبة المنقطعة النّظير ؟
إنّه الصّدق .. ولخصّها في قول الله تعالى ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) الروم 47
وقال إنّ دور الأعلام السبعة الذين يرعون المهدي المجذوب قبل بيعته وظهوره، أنّهم يكونون هداة المهديّ ويوجّهونه نحو فتح حصون المدائن الانسانية، وهو أصدقهم وأصدقُ إنسانٍ عرفته البشريّة .. فالأنبياء عليهم السلام معصومون صادقون مبعوثون مؤيّدون بالنبوّة من الله سبحانه.
أمّا المهدي فعبدٌ مجذوبٌ صادقٌ بسرّه المودع فيه، ينحو نحو الصّدق بتمامه دائماً، سرّهُ كالبوصلة الدّقيقة والاسطرلاب المضبوط، لا يُخطئ الغاية والهدف ... وقلبُه على الأمّة والحقّ لا يتعلّق بسوى الحقّ.
فبينما هو في غربته وفرديّته الغريبة، التي جعلها الله له ستراً وحجاباً كما ذكر ذلك الحكيم الترمذي، فهو مؤيّدٌ بالله من الله سبحانه، يقولُ الشيخ الأكبر له ملك يقفُ عليه يسدّدُه .. ويقولُ الحكيم الترمذي هو محدَّثٌ بفتح الدال، ومبشّرٌ والمهديّ مبشّر، فدلّ ذلك أنّه يعرف عن نفسه أنّه المهديّ، يُلقيها في روعه وقلبه مشايخه حينما يأذنُ الله له أن يحمل القطبيّة المكتومة.
ويقول الحكيمُ مع كونه مبشّر محدّثُ فلديه في قلبه سكينة يُميّزُ بها الحقّ من الباطل.
بما يعني أنّه ملهمٌ .. من الله، يقفُ عليه ملك يسدّده، وهو لا يرى الملك.
بل في حاله وجذبه وغربته وفرديّته كما ذكرنا.
ودورُ الهداة السبعة، أنّهم يتّصلون به بوسائل العصر التي لم يذكرها القدماء.
فظهرَ كيفَ أنّه يجمعُ بين الخلوة والعزلة والفرديّة، ويجمعُ بين الاتّصال وهداية العلماء السّبعة له ..
ودورهم أنّهم يضعونه في المواقف التي تجعله في مقابلة حصون ومدائن الشرك والضلالة الباطنيّة .. فيتفاعل بصدقه وانفعاله العجيب الصادق التامّ الصدق، فيقفُ على باب الحصن رابضاً لائذاً بالله لا يتجاوزُه حتى ينصرُه الله ويؤيّده من عنده.
وذلك هو سرُّ الآية ((وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)) .. فالمهدي مؤمنٌ، ومؤمنٌ صادق بالله، ليس بينه وبين الله حاجزٌ أو حجاب، يرى الله بقلبه إلى أبعد الحدود .. ومن توجّه الى الله بصدقٍ واضطرار كان على الله حقاًّ أن ينصره كما قال سبحانه .. فكان المهديّ أصدق مؤمن بالله.
سوف يفتحُ مدائن الشرك الباطنيّة، مدينة مدينة، ويفتح دوائر النّفس في السّلوك .. دائرة دائرة، وهي سبعة دوائر ذكرها أهلُ السلوك. حتى يصل الى دائرة القلب.
ودائرة القلب في الباطن تُقابلُ في الظاهر وفي الخلافة الظاهريّة .. روما .. القسطنطينية الكبرى.
لذلك سوف يفتحُ المهديّ الخليفة الأرض حتى يصلَ روما، قلب الروم.
وهي في الباطن تُسمّى عند أهل السّلوك المدينة الانسانيّة وكنيسة النّفس.
فيفتحها المهديّ فتحاً مبيناً .. بصدقه في الباطن.
وينعكسُ ذلك الفتح في الخلافة الظاهريّة، فتح الروم ومعاقلها بالتكبير والتهليل من غير حرب.
وذلك إشارةٌ الى تمام الصّدق والتأييد القدسيّ حيثُ تُفتحُ نافذة القلب على عالم الرّوح المدد القدسيّ.
لأنّ فتح دائرة القلب هي مرحلة الانتقال الى مدد الروح القدسيّ الواقع بين القلب وعالم الرّوح.
إنّ تمام الصّدق أن تفتح المدائن بالتكبير والتهليل من غير سيوف ورماحٍ ومن غير مواجهات حربية وقتالية فتدخل أنت وجندك المدائن مكبّرين مهلّلين وقد كان قبلك يدخلونها بالسّيوف والرماح والقتال والمغالبة.
فهناك .. عند تلك المرحلة ينتهي دورُ الهداة السّبعة عند المهديّ.. أي المهديّ المجذوب.
فمتى ينتهي هذا الدّور ؟
ينتهي في الملحمة الكبرى ، مأدبة الطير والوحوش والسباع التي لا يُدفنُ فيها كافرٌ ولا مسلم.
ومن شاء أن يعرف التفصيل فليعد الى الفتوحات المكيّة باب المهديّ الظاهر .. ليقرأ ما كتب الشيخ الأكبر في الملحمة، ليعرف حقيقة هذه الملحمة الكبرى.
التي يجمعُ فيها الروم نحو مليون نصرانيّ يأتون لنصرة دينهم، كلّ نصرانيّ يعتقدُ أنّ دينه حقّ من الله يأتي لتلك الواقعة لينصر دينه، وينزلُ الروم سواحل الشام في ثمانين راية ويحرقون سفنهم يقولون نصرٌ أو موتٌ .. ويخرجُ اصحاب المهدي من المدينة المنوّرة، ويجتمعُ أنصارُه والمسلمون من سائر الأقطار من الشام واليمن ومصر وغيرهم .. فيكونُ فسطاط المهدي يومها عند الغوطة قرب دمشق .. وتحدثُ الملحمة ثلاثة أيّام، في كلّ يومٍ يشترطون شرطة، وفي ذلك تفصيل، وفي صفّ المسلمين يكونُ بعض المتخاذلين .. من يرفضُ أن يقاتل بجانب بعض الطوائف ربّما في المسلمين .. فيتشرطون ثلاثة شرطات في ثلاثة أيّام، فلا يظهرُ طرفٌ على طرف في كلّ يوم الى أن يُظلم النهار.
وكما قال الشيخ الأكبر يعمل الحديد في الحديد كما لم يعمل من قبل ، لشدّة الحميّة من الطرفين المسلمين والنصارى .. ثمّ يتخاذلُ ثلثٌ من المسلمين وينسحبون من المعركة كما انسحب المنافقون من أحد. وهؤلاء جاء في صحيح مسلم أنّ الله لا يتوبُ عليهم أبداً. وفي رواية قيل يخسف الله بهم الأرض في طريق عودتهم.
وقد كان مات في المسلمين عدد كبير، فيقولُ من بقيَ من المسلمين نموتُ على ما ماتَ عليه أصحابُنا .. وفي اليوم الرّابع تقومُ المعركة كأشدّ ما تكونُ، ويتقوّى النّصارى يقولون بعزّة وحميّة : ديننا هو دين الحقّ ونحنُ أهلُ الحقّ .. فحينها تغضبُ عليهم السماء، ويأتي مددُ الله سبحانه للمؤمنين وتنزلُ أمدادُ الملائكة وربّما يخرجُ جنودٌ من أرواح الأولياء السّابقين الذين بايعوا المهدي عليه السلام فيما سبق أن يقاتلوا معه .. وينتصرُ المسلمون خير انتصار.
ويُقتلُ في هذه الملحمة الثلث من المسلمين كما فرّ الثلث ويبقى الثلث، الثلث المستشهد هم أفضلُ الشهداء عند الله كما جاء في صحيح مسلم.
ويموتُ في هذه الملحمة كما قال الشيخ الأكبر ستّة من العلماء السّبعة هداة المهدي ومستشاريه عليهم السلام.
وهذا ما أردنا الوصول إليه، ففي هذه الملحمة ينتهي دورُ الهداة، ويكونُ المهديّ باطنياً قد وصلَ الى مرحلة