بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله الاطهار وصحابته الابرار
أن الحمد لله نحمده ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا ولا مرشدا
هناك سنة لا تتغير ولا تتبدل ما دامت السماوات والأرض, فمن حكمة الله سبحانه أن يبتلي العلماء بقول كلمة الحق وإن كان مر طعمها, ويبتليهم بالسجن والتعذيب, ويبتليهم بالمناصب والوظائف, ويبتليهم بحب الظهور والشهرة, ويبتليهم بطعن السفهاء وانتقاص الحقراء, وغيرها من انواع الابتلاءات التي لا يثبت أمامها إلا الراسخون في العلم أولائك هم العلماء بحق.
وفي تلك الإبتلاءات حِكَم بَالِغة, وَنِعَم سابِغَة لا يَعلمها إلا الله, منها أن العالم لا يَشعرُ بِنَعمِ الله عليه, إلا إذا جرب مرارةَ الابتلاء.
وهي سنة جارية على الأمة كلها لا تتخلف ولا تتبدل.
فقد شاء الله تعالى أن يَبتليَ المؤمنين، ويَختَبِرَهُم لِيُمَحِصَ إيمانهم، ثم يكون لهم التمكين في الأرض بعد ذلك.
والعُلماء أشد الناس بَلاء
كيف لا, وهم ورثة الأنبياء عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَىُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ صَلاَبَةً، وَإِنْ كَانَ فِى دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَلاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِىَ عَلَى الأَرْضِ مَا لَهُ خَطِيئَةٌ» رواه الدارمي في سننه.
وهذا الأمر نقرأه في سير الأنبياء وفي سير العلماء، فكم عانى الأنبياء من أعدائهم المكذبين وهي صور شتى من التكذيبِ والتعويقِ والابتلاء، يسعى إليه المفسدون من أقوامهم ويتواصون به جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن.
ومن بعد الأنبياء كانت السنة كذلك نفسها للعلماء، ويشعر العالم الداعي إلى الله عز وجل أنه حين يختار لنفسه هذا الطريق فإنه يضع نفسه مع هذه القائمة ويسير مع هذا الركب، فلابد أن يصيبه ما أصابهم ويواجه بما ووجهوا به.
واعلم أن سنة الابتلاء من سنن الله في كونه، وهي واقعة لا محالة, لِيمحصَ الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين, ليتميز من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت.
وهو -والله- رغم مرارة طعمه فيه خير كثير, وأجر وفير, وفوائد جمة قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ» رواه البخاري.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ فِي جَسَدِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى، وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» رواه الحاكم في المستدرك
ولابد من الرضا والتسليم لأمر رب العالمين فعَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ» رواه ابن ماجه في سننه.
واعلم أَن كل هذا سيزولُ وسيُبدلكَ ربك خيرًا منهُ إن شاء الله في الجنة, في يومٍ لو غُمس أَحدُ المؤمنِين غمسةً في الجنة وهو أَشد الناس بلاءً في الدنيا فيقولُ: ما رأَيتُ بلاءً قط! ينسى كلَّ بلائه وشقائه بغمسةٍ واحدةٍ، سبحان المنعمِ العظيم؛يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِأَشَدِّ المؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلاءً، فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي الجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ: أَيْ فُلانُ: هَلْ أَصَابَكَ خَيْرٌ قَط أَوْ بَلاَءٌ؟! فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطّ ضُرٌّ أَوْ بَلاَءٌ» رواه أحمد ومسلم.
دمتم في رعاية الله