سيف السماء
عدد المساهمات : 442 تاريخ التسجيل : 13/10/2010
| موضوع: المراقي الصوفية بذكرالمعاريج القرآنية للكاتب علي الصوفي من منتديات مواهب المنان الثلاثاء أكتوبر 01, 2013 12:05 am | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد ابن عبد الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين افضل الصلاة واتم السلام ثم اما بعد
المراقي الصوفية بذكرالمعاريج القرآنية
للكاتب علي الصوفي من منتديات مواهب المنان
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وآله
قال الله تعالى :
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا )
شرّع سلوك طريق الله تعالى في القرآن العظيم بغاية الترغيب والتنشيط والتشويق والتحبيب بأوضح بيان وأجلى مقال فلا ينكر سلوك طريق أهل الله تعالى إلاّ إنسان محجوب عمّا ورد من البيان في القرآن من الذين ورد فيهم قوله صلى الله عليه وآله وسلّم ( يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم ) ( حناجرهم )
وبما أنّ السالكين لطريق الله تعالى ثلاثة أصناف : المبتدئين والمتوسطين والواصلين ذكرهم الله تعالى في تلك الآيات الكريمات وعرّف سيرهم وأحوالهم في بيان واضح الإشارات أعلاه : قال تعالى مخاطبا المبتدئين من السالكين :
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )
فعلامة صحّة البدايات كثرة الذكر لذا قالوا ( من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة ) قال شيخنا اسماعيل رضي الله عنه لما لقنه شيخه سيدي محمد المداني رضي الله عنه الذكر بالإسم المفرد الأعظم ( ما إن لقنني شيخي الذكر حتى كنت في سرعة المائة والسبعين ) أي كثير الذكر شديد التوجّه به والمداومة عليه
لذا قال سيدي أحمد العلاوي رضي الله عنه ( الذكر أسباب كل خير ... الخ القصيدة ) ومن ذلك قولهم ( الذكر منشور الولاية وعلامة الاجتباء والهداية ) فتحتم الذكر الكثير على السالكين لهذا صنفوا أنواع السالكين بين صنف متسبب أهل أسباب وصنف متوسّط وصنف متجرّد فكان أهل الكهف أهل توسط بين تسبب وتجرد لهذا لما أفاقوا من نومهم بعثوا أحدهم بورقهم الى المدينة كي يأتيهم بطعام فكانت عندهم الدراهم والنقود دليل تسببهم قبل لجوئهم الى الكهف وبدليل كونهم فرّوا من أهل قريتهم لما خشوا ضلالهم ثم كون تجردهم يتمثل في اختيار مكانهم الذي خرجوا منه لهذا عرّفوا الكهف في الذكر فقالوا ( فأووا الى الكهف .. )
فكأنّ لهم نسبة لهذا الكهف أو غيره من الكهوف دليل جمعهم بين التجرد والتسبب لأنّ حكم التجرّد والتسبب يكون بحسب حالة الشخص والزمان ففي حالة الزمان الحسن وظهور الحق فيه وانتشار الاسلام ما تراه من فعل النبي عليه الصلاة والسلام في أهل الصفّة وفي حالة الأشخاص في خصوصية الأحوال ما تراه في القرآن من نهي عن طردهم لذا يجب أن تعرف الفرق بين هذا وهذا فلا تظلم أحدا فليس الأمر على عمومه كما أنه ليس على خصوصه ...
ثمّ قال تعالى مخاطبا في نفس الآية السالكين المستشرفين من المريدين :
( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا )
إذ أن مقام التسبيح يراد به ذكر التعظيم ومشاهدة اطلاقات العظمة وهو هنا على ثلاثة أصناف : تعظيم الأسماء وتعظيم الصفات وتعظيم الذات فعظّمت الملائكة في قولها ( سبحانك لا علم لنا ) علم الله عز وجل نهاية تعظيم الصفات بتعظيم الذات فلم يبق فيها شيء من التعظيم في نفسها لله تعالى فادخرته على شرط الأدب في ذلك التعظيم لذا قالت ( إلا ما علمتنا ) لئلاّ يحجبها التعظيم عن شهود الفضل لأن شهود الفضل من جملة تعظيم الصفات فهذا تسبيح تعظيم بحر الصفات
قال سيدنا يونس ابن متى عليه السلام ( سبحانك لا إله إلاّ أنت ) فهو هنا سبّح تعظيما للذات الإلهية صاحبة الألوهية المطلقة كما وكيفا ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) لأنه نزل في حالته تلك إلى مرتبة الصفات فلمّا أحسّ بظلمة نفسه فيها رجع إلى بحر الذات لذا قال تعالى تعيينا وتحديدا معرفا بالمراتب كي تفهم عنه ( فلو لا أنه كان من المسبحين ) فما قال مثلا لو لا أنه كان من الذاكرين أو الشاكرين أو المستغفرين بل قال ( المسبحين ) كي تعقل عنه المراتب السلوكية والأحوال الربانية في قرآنه المجيد ...
ثمّ قال تعالى مخاطبا الواصلين من كمّل المريدين من الذين وصلوا الى برّ الأمان وبقوا في حفظ الرحمان :
( هوَالَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ )
فهي صلاة على حضراتهم كما قال تعالى مصليا وآمرا وملائكته على حضرة النبوّة ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) ( يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليما ) فتعيّن هنا صلاة المؤمنين عليه بخلاف الواصلين فلم يرد الأمر بالصلاة عليهم بعد أن علمت بصلاة الله تعالى وملائكته عليهم
وإنما تكون الصلاة عليهم تبعا لصلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا الحكم في آل البيت والصحابة لأنّ حضرة النبوّة جامعة فصلاة الله تعالى والملائكة ونحن جميعا نجتمع في حضرته عليه الصلاة والسلام وهي حضرة الصلاة عليه فنحن نطلب من الله أن يصلي عليه وهو أيضا يطلب من الله أن يصلي علينا بمجرد صلاتنا عليه فصلاتنا عليه هي صلاة الله علينا لذا قال ( من صلّى عليّ مرّة واحدة صلى الله عليه بها عشرا ) فصلينا وصُلي علينا فانتفع وانتفعنا بصلاة الله تعالى على الجميع التي في الحقيقة كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم السيد الأكمل ..
ثمّ نبّه تعالى وأشار إلى حقائق هذا السير وعقباته ثمّ ذكر فضله سبحانه على السالكين وأنه المسلك والموصل سبحانه حقيقة فقال :
( لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )
أي يا أيها المبتدئون أخرجكم من ظلمة الغفلة إلى نور الحضور وأنتم يا عارفين أخرجكم من ظلمة الدعوى إلى نور التقوى أما أنتم يا واصلين فأخرجكم من ظلمة السوى إلى نور المولى ومن ظلمة الفرق إلى نورالجمع
ثمّ خاطبهم سبحانه (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) أي في كلّ مقام أيها السالكون والواصلون ثمّ ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ ) أنّ يوم اللقاء هو يوم تحية وسلام كما قال عليه الصلاة والسلام يوم اللقاء ( التحيات لله البركات الزكيات لله ) فجاءه الخطاب ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) فأجاب ( والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين )
خلال هذا السطر من السلوك هناك آيات كثيرة تتناول مثل هذه المعارج كقوله تعالى للمبتدئين الذين يذكرون ولمّا حضروا في ذكرهم فرغّبهم ونشّطهم في قوله تعالى ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ) فهؤلاء يذكرون لكن من غير توجه لهذا عاتبهم على عدم التوجه والإرادة ففصل بين الذكر وبين القرآن في هذه الآية كي بيّن لهم أن الأمر بالخشوع في الذكر حقّ نزل به القرآن لأن القرآن نزل بين تعليم وارشاد وبين بيان وعلم وبين توضيح حال ومقام لذا كان القرآن جامعا لهذا أوتي عليه الصلاة والسلام جوامع الكلم ..
ومن ذلك تنبيهه على حالة المتوسطين من المريدين والمستشرفين من العارفين في قوله تعالى :
( كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
فذكر هنا سبحانه حدود هذا المقام فانظر كيف ذكر متشابه هذا الكتاب في معرض ذكره لهذا الصنف من الذاكرين كي تعلم ما في القرآن من سلوك ومعراج ..
ثمّ أنّه قد يذكر سبحانه في الذكر الحكيم آيات تخصّ ذكر الواصلين من كمّل العارفين كقوله تعالى :
( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )
فقوله اذكروني موصول بقوله أذكركم لأن العارف متى ذكر دخل إلى عالم الفناء مباشرة لأن سلوكه انتهى لهذا أوصاهم بالخروج منه في وصفه إلى عالم البقاء في قوله ( واشكروا لي ) كما قال عليه الصلاة والسلام في معرض ذكره لربه ( أفلا أكون عبدا شكورا ) فأعلمها أنّ قيامه ذلك وذكره لا غاية سلوكية فيه بل هو شكر لله تعالى على ما أنعم به وتفضل مجال العبودية ثمّ نهى الواصلين عن الكفر في قوله ( ولا تكفرون ) أي بعد أن أوصلتكم ومننت عليكم بنعمتي وأدخلتكم حضرتي وآتيتكم فضلي فلا تطغون به فتكفرون كأن تهتكوا أحكام شريعتي
قال تعالى لسيّد الخلق ( ما زاغ البصر وما طغى ) أمّا سيّدنا موسى فقال له ( حذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ) أي لا تطغى فيما أشهدتك من عطائي فتطلب ما ليس لك لهذا قال شيخنا إسماعيل رضي الله عنه في هذا المقام في مناجاته ( إلهي قد غمرتني أمواج بحر كرمك الزاخر الذي لا يتناهى فاحرسني فيها حتى لا أطغى بها ) فخاف هنا من الطغيان بها فطلب حرسه أو حرصه فيها وإنّما ورد إسم الطاغوت في القرآن تعبيرا عن الشياطين المارقين المفسدين المستكبرين خصوصا أصحاب الحكم والسلطة
فكأنّ هنا الخوف من الطغيان يكون بالخوف من التصرّف بما آتاه الله تعالى لأنبيائه وأوليائه من التصريف الباطني فخافوا من التصريف بمعزل عن أمر الله تعالى وإذنه لذا قال ابن السعود أعطي التصريف للشيخ عبد القادر فتصرف وأعطي لي التصريف فتركته فالله يتصرف لنا فالطغيان مرتبة كما نجدها عند الكافر كفرعون ( اذهبا إلى فرعون إنّه طغى ) أي تصرّف في خلقي بالتشريد والقتل ثم أدعى ألوهيتي لأنّ مذهب الطغيان مذهب دعوى الألوهية
قال تعالى في حق سيد البشر صلى الله عليه وسلّم ( ما زاغ البصر وما طغى ) فإننا أيضا قد نجده عند العارف كإبليس لعنه الله تعالى أو كالسامري الذي تصرّف بأثر من جبريل فجعله في العجل فهذا نهاية الطغيان ثمّ هناك أنواع من الطغيان القليل مقارنة بهذا الطغيان لأنّ الطغيان من الظلم لذا قال تعالى للواصلين من العارفين ( واشكروا لي ولا تكفرون )
لذا جمع أهل الله تعالى الطريقة بين شريعة وحقيقة كي لا يطغى العارف أو الفقير أو الشيخ المأذون أبدا فهي حماية وحفظ ومن هنا قال حارثة ( لقد أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله ) فقال له صلى الله عليه وسلّم ( إن لكل شيء علامة فما علامة إيمانك ) خوفا عليه من الطغيان في الدعوى أي أن تكون الدعوى أكبر من الحقيقة فلمّا ذكر له الجنة والنار والعرش قال له ( لقد عرفت فالزم ) أي أنّ قول حارثة أصبحت مؤمنا حقا هو دون ما كتمه مما أمره رسول الله بحكايته لهذا نعته رسول الله صلى الله عليه وسلّم بوصف أعلى وأرقى ممّا وصف به نفسه فوصفه بالمعرفة التي هي غاية الإيمان ( لقد عرفت فالزم )
والمعاني في هذا كثيرة جدا كلها تشير إلى حقيقة واحدة وهو أنّ الدين هو السلوك والإنجذاب بالقلب نحو ملك الملوك فكل ما سوى هذا باطل لأنّ كل شيء ما خلا الله باطل كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلّم قول الشاعر لبيد
فيا أخي القرآن كلّه سلوك ومعاني ربانية عظيمة وكله محبة لله تعالى ففيه من ذكر أحوال الرجال ما يفلق الأكباد من باب ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل ) هذا كي تعلم من هو رسولك الذي قيل فيه ( كان خلقه القرآن )
والله تعالى أعلم ثمّ رسوله من بعده صلى الله تعالى عليه وآله وسلّم | |
|