سيف السماء
عدد المساهمات : 442 تاريخ التسجيل : 13/10/2010
| موضوع: استرواح في قوله تعالى ( ;.. وإن كنت من قبله لمن الغافلين .. ) لشيخ علي الصوفي من منتديات روض الرياحين الخميس ديسمبر 12, 2013 5:40 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
استرواح في قوله تعالى ( ;.. وإن كنت من قبله لمن الغافلين .. ) لشيخ علي الصوفي من منتديات روض الرياحين بسم الله الرحمان الرحيم الواحد الأحد الفرد الصمد العليم الحكيم والصلاة والسلام على المرسول رحمة للعالمين سيّد المتقين وإمام العارفين وآله وصحبه أجمعين
أمّا بعد : فهذا إسترواح في قوله تعالى في سورة يوسف قال تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ )
جاء وصفه بحالة الغفلة قبل نزول القرآن عليه صلى الله عليه وسلّم في معرض قصّ أحسن القصص عليه التي هي قصّة يوسف عليه السلام كأنّها إشارة منه سبحانه وتعالى إلى حبيبه عليه الصلاة والسلام كونه كان غافلا عن مقامه ودرجته في عالم الصفات وعن تفاصيل المقامات والدرجات والمراتب والخصوصيات بما كان يستغرقه جذبه وتوحيده من الفناء في حضرة الذات لهذا كانت مناسبة وصفه بالغفلة قبل الوحي إليه بالقرآن في معرض حكاية قصّة يوسف وإخوته عليه السلام .. فليس المراد هنا غفلة عن الحضور الإيماني الذي هو ضدّ اليقظة بل كان صلى الله عليه وسلّم في تمام الحضور مع ربّه سبحانه وتعالى بل قد كان مختليا في غار حراء يعبد ربّه الليالي ذات العدد حتى قالت قريش قد عشق محمد ربّه .. لكنّها غفلة من نوع محمود وهي غفلة عن مراتب أقطاب هذا الوجود ودرجاته وخصوصياته لاستغراقه صلى الله عليه وسلّم في الفناء في المعبود لذا قال له ( نحن نقصّ عليك ) بذكر جمع نحن للتعظيم وهي لجمع الصفات كما قال تعالى للملائكة لمّا أنبأهم بجعل خليفة في الأرض قال لهم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ ) بصيغة الإفراد ثمّ لمّا أمرهم بالسجود قال تعالى ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) بصيغة جمع ( نحن ) فأشار إليهم هنا كون سجودهم إنما هو في الحقيقة إليه وليس لآدم وإنّما هو تجلّي صفاتي مع وجوب توحيد الصفات كي ترجع بها إلى بحر الذات لئلاّ تتمّ عبادة آدم أو القطب كما عبد عيسى صاحب المنحى الصفاتي من قبل
لهذا قال تعالى في هذا الباب بيانا وتفصيلا في ذكر شؤون بحر الصفات حيث وجود الخصوصيات من عقل الخلافة وهو للظهور ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) أي أن الصفات واحدة مهما تتعدّدت حضراتها لهذا وجب اعتقاد كون الله تعالى واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله
فمتى علمت هذا تعلم كونه عليه الصلاة والسلام لمّا كان الخليفة الجامع في بحر الصفات التي لا تدلّ إلاّ على الذات من كلّ وجه كان أمّيا لا يقرأ في مقام الصفات لأنّ الأمّي لا يكون إلاّ غافلا عن بحر الصفات لفنائه في بحر الذات لهذا قيل له في بداية الوحي ( إقرأ ) أي أتلو هذا الوجود بخمرة الشهود كي يرجع الفرع إلى أصله بعد أن كثر الفساد في البرّ ( هتك الشريعة ) والبحر ( الزندقة والطغيان بالحقيقة ) لعدم وجود العلم ومراعاته فمتى علمت كون القرآن هو اللسان العلمي الجامع لجميع أوجه الأسماء والصفات تعلم كون الغفلة متعيّنة بل واجبة في حقّ العبد الذاتي قبل نزول القرآن عليه أي كونه ردّه من بحر الفناء في الذات إلى البقاء في عالم بتوحيد الذات في عالم الصفات
لأنّ سيّدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت له حقيقتان حقيقة أولى وهي حقيقته الأحمدية التي هي حقيقته الذاتية وهي التي عاينها عيسى بما أنّها درجة ذاتية أي كأنّ عيسى يقول أنا عبد الصفات وإنّي أبشّركم بمجيء عبد الذات لهذا قلنا أنّ جميع طرائق أهل الله تعال موصلة الى الله تعالى كما كانت جميع شرائع الأنبياء والرسل عليهم السلام موصلة إليه لكنّها ليس جامعة لأنّها ليس الطرائق الأصلية بل هي طرائق منبثقة عن الطريقة العظمى والصراط الأمثل وهو صراطه عليه الصلاة والسلام قال تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) فذكر أحقيّة جميع طرق أهل الله تعالى وكونها في حقيقتها طريق واحد يوصل إليه كما قيل تعدّدت الطرق والمنتهى واحد فهذا كلام صحيح ولكن ما غاب هو قوله تعالى ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) أي إنّك لتهدي إلى أقرب الطرق في الوصول إلى الله تعالى الذي هو طريق الذات من غير مرور على عالم الصفات لأنّه عالم متشابه وهو عالم التأويل ومن هنا احتاجت شطحات أهل الله تعالى إلى تأويل لأنّها من عالم الصفات الذي قيل فيه ( أصبحت بصره وسمعه ويده ورجله ) لأنّ الفناء في الذات هو رجوع الأسماء والصفات إلى بحر الذات فمتى نطق العارف وهو في حالة فنائه فما نطق بلسان الذات وإنّما نطق بلسان ذلك الإسم أو الصفة التي رجعت إلى بحر الذات فتكلّمت حضرة الصفات على لسانه متى علمت أنّ الكلام صفة وليس ذات فهو الصفة العلمية فإذا علمت هذا فرّقت بين أمرين معنى أهل السكر في سكرهم ( أنا من أهوى ومن أهوى أنا ) فالصفات لا تصبح ذاتا .. لأنّ طريقته صلى الله عليه وسلّم هي طريق ذات وطي أكوان فهذا أصلها لقوله تعالى ( وإن كنت من قبله لمن الغافلين ) أي أنّك فتى ذاتي قبل أن تكون فتى صفاتيا قال سيدنا أحمد العلاوي رضي الله عنه في قصيد له ( يصاحبني في أيام لا نطلب منه أعوام ) فقد جمع أولياء أمّة سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم ما عند الأنبياء عليهم السلام من طرق سلوكية لهذا تجد الحال الإبراهيمي والموسوي والعيسوي والسليماني .. الخ في هذه الأمّة كالمريد القادري الذي كان في عهد الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه الذي قال بأنّه يرى الله بعينه الناظرة فلمّا سألوا الشيخ عبد القادر رضي الله عنه عن ذلك قال لبّس عليه فإنّ نور بصيرته انقدح على نور بصره فظنّ نفسه يرى الله تعالى ببصره فهذا القبيل من السلوك قد يدخل العبد في مداخل خطيرة وازلاقات كثيرة رغم صدق حال ذلك المريد وصدق ما يراه لكن صدقه يعوزه العلم فتعيّن العلم في السلوك
أي كون الطريقة العلمية هي الطريقة الشرعية الأصلية فالشريعة لا تفارق الحقيقة لهذا يكون حال المريد على نفس حال شيخه وإن على صفة مغايرة معكوسة ( فافهم ) كحال موسى عليه السلام لمّا قال ( ربّي أرني أنظر إليك ) ففي الصفة المقابلة ماذا قال له قومه ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) وهكذا لمّا كثر سؤال بني اسرائيل لموسى كما قال تعالى ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ) أي أتريدون أن تكونوا في أحوالكم كبني إسرائيل لهذا أوّل ما اشترط الخضر على موسى هو عدم السؤال كما قال تعالى ( فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء )
أمّا أصحاب سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم فهم ذاتيون كما قال أبو بكر رضي الله عنه ( من كان يعبد محمد فإنّ محمّد قد مات ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت ) فما ربّاهم صلى الله عليه وسلّم إلاّ على التوحيد الخالص المحض والقول الصدق فهناك من الأولياء الصفاتيون الذاتيون ولكن الأقرب منهم إلى الله تعالى هم الذاتيون الصفاتيون فمن كان صاحب شريعة كانت حقيقته محفوظة ومن اختلّ نظام شريعته ولو ذرّة اختلّت حقيقته بقدر ذلك الإختلال من هنا ندرك تمايز طرق أهل الله تعالى كما تمايزت شرائع وطرق أنبياء الله تعالى متى علمت كون هذه الأمة جامعة لما عند الأنبياء من أحوال سلوكية قال عليه الصلاة والسلام ( العلماء ورثة الأنبياء ) فنحن ندرك كون بعض الأولياء ورث هذا النبيّ أو ذاك أو يغلب عليه حال هذا النبيّ أو ذاك ولو لا الاختصار فصّلنا بعض أحوال أولياء هذه الأمّة كما قال الشيخ الأكبر في مشهد من مشاهده ( تبت على يد عيسى ابن مريم ) فالقاعدة تقول كما قال تعالى ( لا نفرّق بين أحد من رسله ) لماذا ؟ لأنّهم قالوا جميعا في عبوديتهم ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير ) فهم كلهم عبيد متوجّهون إلى ربّهم في عبادتهم بعبادتهم لكن الطرق ليست واحدة فمنهم من يغلب عليه ولوج بحر الصفات فمن يغلب عليه هذا البحر أعني سلوكا وفناءا تحسّه عليه وتشمّ رائحته فيه أمّا الذاتيون فهم على الفطرة التي يعقبها الغفلة عن هذا التفصيل ..
لأنّهم أهل صفاء تام ووصال عام كما كان شأن يوسف الذي غفل عن مقامه فيما بين إخوته لأنّه لا يدرك عليه السلام ما يحصل في عالم الملكوت من الغيرة التي هي الغبطة بل قد يصل الأمر إلى الحسد في ذاك العالم كما حسد إبليس لعنه الله تعالى آدم .. فافهم مرامي قوله تعالى ( نحن نقصّ عليك أحسن القصص أي قصّة يوسف تحديدا فهو كان غافلا عن مقامه لهذا كاد أن يفشي سرّه بين إخوته لولا أن نهاه أبوه الخبير فقال له ( لا تقصص رؤياك على إخوتك ) أي ليس لذات الرؤيا ولكن لما فيها من إشارة لعلوّ مقامك ( فيكيدوا لك كيدا ) لأنّك على الفطرة يا يوسف مازلت في غفلة عمّا تطبه منك الصفات لشدّة تعلقك بالذات
قال شيخنا رضي الله عنه : ( يأتيني المريد وملّفه كلّه أسود قاتم فاشرع في تزكيته وتطهيره حتى يعود يلمع نورا خالصا كالعروس ثمّ أزفّه إلى الله تعالى ثمّ الله تعالى من يتولاّه لي بعد ذلك ) فهذا توجّه ذاتي وهو توجّه عبودية الذي هو توجّه شرعي علمي وهو معنى الخلافة الراشدة فهو منهج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام حين خروجه فهو يربّي على هذا النهج المحمّدي اللذان هنا الكتاب والسنّة لهذا فأوّل ما تلاحظ على وجه المهدي المنتظر تلاحظ النور المحمّدي وتلاحظ نور السنّة والشريعة كما تلاحظ عظمه سناء الحقيقة في جبهته محلّ السجود ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) لأنّ الأمر ليس على عواهنه بل لكلّ شيء دليل فهناك دليل في عالم الملك وهو دليل الأعمال من الشرع وهناك دليل في عالم الملكوت وهو دليل النور وهو عالم الأحوال من الطريقة وهناك دليل ثالث وهو دليل الأسرار ( توضّا بماء الغيب إن كنت ذا سرّ ) من الحقيقة .. فإذا علمت بعد هذا كونه عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن وكان قرآنا يمشي على رجليه تفهم من هو تحديدا وأنّه العبد المحض وهو أوّل العابدين فلا تتبع إلاّ طريقه ولا حالا إلاّ حاله فإنّه صلى الله عليه وسلّم لا يدلّك على شيء غير الذات قال تعالى في حقّه (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) أنظر قوله ( وما أنا من المشركين ) نهاية وغاية التوحيد لهذا كان خاتم الأنبياء وسيّدهم صلى الله عليه وسلّم لأنّه لا يدلّ على غير الله تعالى فلا يدلّك رسول الله صلى الله عليه وسلّم على غير وجهة الذات فهو صلى الله عليه وسلّم محرّم عليه التوجّه إلى غير الذات دائما أبدا في كلذ قول أو فعل أو نفس قال تعالى ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ألا ترى كيف اكتسبوا من حاله في التوجّه كما قيل له ( ولا تعدو عيناك عنهم ) أي ولا طرفة عين لهذا قال صلى الله عليه وسلّم ( الحمد لله الذي جعل في أمّتي من أمرت بالصبر معهم ) فحمد الله تعالى على وجودهم
فكلّ من تراه لا يدلّك على الله تعالى فلا تغتر به قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه ( من دلّك على الدنيا فقد غشّك ومن دلّك على العمل فقد أتعبك ومن دلّك على الله فقد نصحك ) فكانت النصيحة لا تكون إلاّ في الله تعالى ( إنّما الدين النصيحة فوجّه العباد نحو مولاهم الذي خلقهم فسواهم وأكرمهم وأعطاهم ولا تدخل نفسك فيما بينه وبينهم بل دلّهم ولا عليك ( إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر ) لأنّك متى سيطرت عليهم فقد وضعتهم تحت سلطانك فأضحوا عبيد الصفات غير مجموعة على بحر الذات بينما متى لم تسيطر عليهم ربّما رجعوا إليك مؤمنين لأنّ الله يهدي من يشاء لا من أحببت كما قال تعالى ( إنّك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )
من هنا تفهم إن شاء الله تعالى وتعلم مناحي تآليف الأولياء العلمية ومن أيّ الحضرات هي وهكذا .. فتضع كلّ صاحب منزلة في منزلته وكلّ صاحب علم في حضرة علمه كي لا تختلط عليك المفاهيم ولا العلوم بل تزن بالقسطاس المستقيم فتقول بعد هذا ( وقل رب زدني علما ) والسلام ..
| |
|